ليلى ايت سعيد
عدد الرسائل : 44 الموقع : www.lailaa84.jeeran.com تاريخ التسجيل : 06/12/2007
| موضوع: كفاك موتا / قصة ألكس وولكر السبت يناير 12, 2008 6:46 am | |
| ترجمة زعيم الطائي
كفاك موتا: قصة أليس وولكر
أليس ووكر
ولدت أليس وولكر في ولاية جورجيا 1944، من أبوين يشتغلان بالزراعة وأنتاج الألبان، أكملت تعليمها العالي في كليات مختلفة، كما درست الأدب وطرق الكتابة،تكتب المقالة والشعر والرواية وقصص الأطفال،أصيبت في أحدى عينيها أثر حادث وهي في الثامنة، ناضلت طويلاً من أجل الحقوق المدنية للسود في أمريكا، من أشهر رواياتها ( اللون الأرجواني ) 1982 التي أخرجها ستيفن سبيلبيرج للسينما،أوسكار1987، نالت جائزتي بوليتزر والكتاب العالمي، تتناول في قصتها هذه شخصية أسطورية لرجل غريب يقضي حياته متهرباً، متحايلاً على الموت بالعشق والرقص والموسيقى والجنون، وحين يغوص داخل نفسه المليئة بالألم تخرج روحه ألحاناً شجية وكلمات تسعد الآخرين، رغم محنة حياته البائسة،حتى أنتهاء آخر قطرة من كأس عمره بعد الموت وقد تجاوز التسعين محاطاً بالحب ، قصة تذكرنا بأطياف العم توم لهاريت بيتشر ستو وزوربا نيكوس كازانتزاكي .
المترجم
(توقف عن الموت) والدي يقولها دائماً (هؤلاء الأطفال لا يريدون غير المسترسويت) كان المستر سويت عازف الجيتار الذي أتعب جسده داء السكري وأدمان الكحول، يسكن أسفل الطريق عند حقل القطن المهجور، وقد تعلم أخوتي وأخواتي الكبار منه الكثير عند بداية أعمارهم أثناء مصاحبته، فمنذ نشأتهم قضوا عدة سنوات برفقته، حيث كانت لديه القدرة على أن يصحو من جديد عند أستدعائه ولمرات عديدة ساعة موته أو وقت أن يكون على وشك الموت، وحالما يأتيه صوت والدي في أضطجاعته الأخيرة، (الى الجحيم، لامزيداً من الموت، يا رجل)، يبعد زوجته عن جانب الفراش، وقد ملأت عينيها الدموع رغم أنها تعرف أن ليس من الضروري أن تكون تلك آخر ميتاته، ما لم يكن قد أختارها أو إبتغاها هو لنفسه، (الأطفال يريدون مستر سويت) وكانوا يريدونه حقاً، فما أن تأتي أشارة الوالد حتى يهرعوا جميعاً، متزاحمين حول سريره، ملقين بأنفسهم فوق الأغطية، يبدأ الصغار منهم بتقبيل تجاعيد وجهه الأسمر، وزغزغته حتى يغرق في الضحك،من كل كيانه، فتتبعثر شواربه الطويلة شمالاً ويميناً، كالطحلب الأسباني وقد أتخذت نفس لونه.
مستر سويت، كانت له طموحات عديدة أثناء صباه، تمنى أن يكون محامياً أو طبيباً أو بحاراً، لتحسين وضعه كرجل من السود، وحالما لم يوفق في أية من أمانيه، عاد الى صيد السمك مهنته القديمة التي يجيدها، أضافة الى عزف الجيتار،مدعياً أنه يحسن كل شيء، بشكل غير أعتيادي، أبنه الوحيد الذي يعيش معه وزوجته مس ماري، كان شديد الكسل، يصرف نقوده بسهولة كأنما يملك دار سك العملة، حيث تعب الأب في أخباره عن بياض راحة يده وخلوها من النقود، إلا أن أمه التي تحرم نفسها من كل شيء كأمرأة، كانت تفعل كل ما وسعها من أجله، والأفراط في تدليله.
كان مستر سويت بالغ الطول، رقيقاً، بشعر خشن مجعد لونه شديد البياض، ببشرة بنية غامقة، وحولٌ قليل في عينيه اللتين تشوبهما زرقة خفيفة، أعتاد مضغ نوع من تنباك المول القهوائي ،وهو يبدو بشكل ثابت على حافة السكر التام،فقد كان يخمر مشروبه الكحولي الخاص بنفسه، بيد أن ذلك لم يكن ضرباً من البخل في خصاله، بل فقط لأنه يحبه،لكنه كان على الدوام مكتئباً وحزيناً، مع هذا فكثيراً مايمضي الوقت معنا في الرقص في فناء الدار حينما يشعر بالسعادة، وما أن تقبل والدتي لأستطلاع أسباب الضجة ينقلب على أعقابه بسرعة وكأن شيئاً لم يكن.
كان لطيفاً مع عموم الأطفال، ومن كياسته أنه شديد الخجل معنا، كأنه لم يكبرنا أبداً وأمنا تحترمه جداً، فلم تمنعه يوماً من شربه ولم تمانع في لعبنا معه حتى في الوقت الذي يكون ثملاً على وشك السقوط في الموقد من شدة سكره، وعلى الرغم من أنه في بعض الأحيان يتملكه فقدان السيطرة تماماً على رأسه وعنقه،فيظل يهزهما في هدهدة مستمرة بينما هو جالس في كرسيه، لكن عقله يبقى متيقظاً،وكلامه منسجماً لم يتأثر،كما أن لديه القدرة على السكر والصحو في آن واحد مما جعله رفيقاً مثالياً في ألعابنا، فكنا نفاضله في لعبة شد المعصم لضعفه أمامنا،وكان أغلب الوقت يناقشنا بأحاديث متماسكة شائقة.
لم نكن نشعر بعمره طوال فترة اللعب معه، فنحن أحببنا تجاعيد وجهه،ورحنا نرسم بالأقلام على حواجبنا خطوطاً لكي نشبهه، كان شعره الأبيض يمثل لديناً كنزاً، فيمتنع لمعرفته بذلك عن زيارتنا لأيام طويلة بعد قيامه بقصه لدى حلاقه،مرة جاء لبيتنا لأجل غرض ما، من المحتمل لأجل رؤية والدي بشأن سماد المحاصيل، فرغم أنه لم يكن يولي كثير أهتمام بغلاله، إلا أنه يحب التعرف الى أفضل الطرق التي عليه فعلها من أجل زراعته،في كل الأحوال، لم يأت برأسه الحليق منذ قام بزيارته لدكان الحلاق، وقد أعتمر قبعة كبيرة من القش لكي يقيه من الشمس، وكذلك ليبقيه بعيداً عن نظري، مرة لمحته قادماً، فهرعت أجري تواقة ليرفعني بين ذراعيه ويقبلني مع لحيته المضحكة المعبقة برائحة التبغ، متطلعة لدفن أضافري الصغيرة بشعره الصوفي، لما حملني قمت برمي قبعته بعيداً، فقط لأجل معرفة ماإذا عمل شيئاً من أجل شعره، لكنه لم يعد هناك! فأطلقت صرخة جعلت أمي تعتقد أن مستر سويت ألقاني في البئر أو شيئاً من هذا، ومنذ ذلك اليوم صار يلازمني حذر شديد من كل الرجال الذين يرتدون القبعات فوق رؤوسهم، على كل حال، لم يمض طويل وقت حتى أخذ شعره بالنمو من جديد، أبيض، متلوياً، وقوياً كما كان في سابق عهده.
أعتاد مستر سويت أن يناديني أميرته، فصدقت ذلك، مغمورة بشعور جارف من السعادة وأنا في سنتي الخامسة أو السادسة، حيث صاحبني ذلك الشعور الشنيع المدمر حتى توهج السنة الثامنة والنصف من عمري، وما أن كان يقدم الى بيتنا حاملاً جيتاره، يوقف جميع أفراد العائلة أعمالهم مباشرة، يهرعون الى الجلوس من حوله والأستماع اليه حين يعزف، كان يحب أداء (جميلة جورجيا السمراء) حيث يحلو له مناداتي بعض الأحيان، وكالدونيا، مع طائفة من الألحان الحلوة، والأغاني المدهشة التي كان يؤلفها، من تلك الأغاني التي سمعت أنه ألفها في أزمنة حبه الغابرة أو لزوجته مس ماري أوحبه الحقيقي لواحدة أخرى (تعيش الآن في شيكاغو أو دي ستروي ميشجان)كما أنه لم يكن متأكداً أيضاً ما إذا كانت طفلتها (جولي) هي طفلته أيضاً؟، فيجهش بالبكاء أحياناً وتلك علامة أنه على وشك الموت مرة أخرى، فنتهيأ جميعاً، لدعوة المشيعين.
أتذكر وأنا في السابعة من عمري، يوم شاركت مرة حقاً في (أعادة أحياء) مستر سويت، حيث أخبرني أبواي بأنني قد قمت بذلك من قبل، لذا فكنت ممن أختيروا لتقبيله ودغدغته لفترة طويلة قبل أن أعرف مناسك أعادة تأهيله وعودته الى الحياة من جديد، كان قد قدم الى بيتنا، و ذلك بعد مرور بضع سنوات على وفاة زوجته، كان حزينا، وثملاً بالطبع، أتخذ له مجلساً على الأرض حيث كنت جالسة مع أخي الأكبر، بينما الأطفال الباقين قد كبروا، وتفرقت بهم السبل، ثم شرع بالعزف والبكاء، أمسكت رأسه الصوفي بكلتا يدي، حيث تمنيت وقتها لو كنت بالغة فأكون أنا المرأة التي يكن لها كل هذا الحب،وفي ظل تلك الأمنية قضيت ماتبقى من سنوات حياتي.
وقت أن غادرنا،ذلك اليوم، قالت لنا أمي، من الأفضل أن تناموا نوماً خفيفاً تلك الليلة، فمن المحتمل أن تذهبوا أثره عند اليوم التالي، وذلك ماحدث بالفعل، فما أن آوينا الى الفراش، حتى سمعنا أحد الجيران يطرق بشدة على الباب الخارجية، منادياً أبي، قائلاً أن مستر سويت غرقان فأن أراد اللحاق به فعليه هز ساقه والتوجه فوراً الى بيته، فالجيران كلهم يعلمون أن حدث أي مكروه لمستر سويت فسيحضرون عندنا، لكنهم لايعرفون كيف كنا نتدبر الأمر، أو على الأقل كيف نوقف عنه الموت من خلال مداعبته، فحينما يكون أحياناً على وشك ذلك، ننهض جميعاً ما أن يتناهى الينا صوت بكائه، أنا وأخي وأمي ووالدي، نرتدي ملابسنا، مسرعين على الطريق النازلة الى بيته، يتملكنا الخوف نفسه في كل مرة من أن نكون قد تأخرنا فلا تنفع معه، لشدة أرهاقه مداعباتنا.
حين توجهنا الى بيته، الكوخ الصغير البالغ السوء ،وجدنا الغرفة الأمامية مليئة بالجيران والأقرباء، قابلنا رجل عند الباب وهو يقول أنه حزين جداً لأن مستر سويت ليتل (ليتل أسم عائلته، الذي كنا على الأغلب نجهله) على وشك الوفاة، ناصحاً والدينا بعدم أدخالي مع أخي الكبير الى غرفة الموت،كوننا مازلنا صغاراً، وما أشبه، لم يكن بعلمه أننا كنا متعودين على غرفة الموت أكثر منه، لذا فقد تجاهلناه ودلفنا من غير أن نترك له فرصة للتفكير بشيء آخر، كنت أشرق بدموعي،من هول هذا الموت التعيس،والتفكير بما يتوقف علينا فعله - أنا وأخي الذي مازال غراً ذلك الوقت –الأمر الذي جعلني أكثر توتراً.
كان الطبيب منحنياً على فراشه حين التفت صوبنا ليخبرنا - ومثل هذا حدث في عائلتنا عشر مرات على الأقل - آسفاً، أن مستر سويت ليتل العجوز قد وافاه الأجل، وليس من المستحسن أن يشاهد الأطفال الوجه المتصلب المرعب للموت ( ولاأعرف معنى متصلب هذه، ولكن أيأ يكون ماتعنيه، فمستر سويت لم يكن أبداً كذلك) دفعه والدي مبعداً اياه،كما كان يفعل كل مرة، قائلاً بصوت عال مخاطباً مستر سويت (يكفيك موتاً يارجل،هؤلاء الأطفال لايطيقون فراقك) كانت تلك أشارتي لكي أرمي نفسي على الفراش وأمضي في تقبيل مستر سويت تحت عينيه وماحول شعره ومن ياقة قميصه الليلي التي تفوح منها روائح شتى قوية،كرائحة المراهم.
وفعلت جيداً حينما بدأت أحس حركته، وهو يناضل من أجل فتح عينيه، كنت أعرف أنه ستتحسن حالته، وما أن أنهيت مهمتي في أعادته الى الحياة بنجاح، حتى فتح عينيه مبتسماً، حينها تأكد لي نجاحي المؤكد وتحقق عودة الروح اليه،في البدء تملكني رعب هائل من أن لايقوم بفعل ذلك، بعدها عرفت بعد أن درسته، أنه قد اصيب بصدمة جعلت نصف وجهه مشلولاً، تصعب حركته، حينما بادرني بأبتسامته، لم أستطع دغدغته أول الأمر، لأنني كنت متأكدة من عدم منفعة ذلك،خصوصاً وقد أخذ يسعل بشدة، من معدته، لكن ذلك يوم كنت في صغري، في أقل عمر الطفولة،بعد أن أمتلأ أنفه بشعري الكثيف .
حينما تأكد لنا أنه من الممكن أن يستمع لنا،أردنا الأستفسار منه،لماذا يقضي الوقت في الفراش ولايأتي للعب معنا ويعزف لنا على جيتاره؟ لكنه فضل البقاء متكئاً على فراشه، بعينين غائمتين، وصوت يعلو أوقاتاً بالبكاء،لكننا لم ندع ذلك مدعاة لأحراجنا،لمعرفته بمدى محبتنا له،وأن بكاءه في بعض الأحيان يأتي دون أسباب واضحة، ترك والدانا الغرفة لنا نحن الثلاثة فقط،كان مستر سويت، تلك الأثناء، مستنداً في فراشه على عدة وسائد الى جانب رأسه،وكنت أجلس متمددة على كتفه مجاورة لصدره،لايسألني في ذلك الوضع، من الأبتعاد عنه، حتى لو عانى من ضيق تنفسه، ينظر في عيني، هازاً رأسه الأبيض، وهو يمرر أصابعه الشائخة على حافات شعري، النازلة تقريباً عند طرفي الحاجبين، مما جعل بعض الناس يشبهونني بطفلة قرد.
كان أخي كريماً معي في هذا، فقد ترك لي العمل بأكمله، بعد أن كان يقوم به بنفسه، فهو مولود قبلي بسنوات عديدة، لذا فقد تخلى لشخص جديد عملية أستعادة الحياة عن طيب خاطر، وكل مافعله أثناء قيامي بالتحدث لمستر سويت هو التظاهر باللعب على أوتار الجيتار، أو بالأحرى التظاهر بأنه النسخة الشابة من مستر سويت، كان السرور يملأ قلب المستر سويت بالطبع حينما يفكر أن شخصاً يحب أن يكون مثله، ولم نعرف ذلك قبلاً، فقد كانت الأشياء تدور همساً،فكل ماكان يحبه نفعله من أجله، وكان مبعث رعبنا القاتل هو أن يغادرنا ويرحل في يوم من الأيام.
لم يحدث أن فعلنا شيئاً خصوصياً، فلم نكن تعلمنا أن الموت حينما يجيىء فهو نهاية لكل الأشياء، ولم يدر في خلدنا مرة أننا قد أنتصرنا عليه مرات عديدة، مثل كعكة فاكهة محتقرة للناس الذين صنعوها، لكن ذلك لن يحدث لو أن أبانا هو الذي يتوفى، لن نتمكن في تلك الحالة من أيقافه، فمستر سويت هو الشخص الوحيد الذي تنفع قوتنا التي نمتلكها معه.
عندما بلغ المستر سويت سنواته الثمانين، كنت أدرس في جامعة تبعد عن البيت عدة أميال، وكنت أراه كلما حضرت في زيارة لكنني لم أره يوماً على شفير الموت، هذا ما يمكنني قوله،حتى بدأت أشعر أن قلقي النفسي حول صحته لم يعد له مبرر، في ذلك الوقت لم يعد يطيل شاربيه فقط، بل أصبحت لديه لحية مسترسلة تشبه الثلج الأبيض، أحببتها كثيراً، فصرت أقضي الساعات في تمشيطها وضفرها وتهذيبها، كان يتمتع بروح مسالمة، رقيقاً ولطيفاً، والملاحطة النافرة الوحيدة منه هي جيتاره المعدني الذي ما إن يداعب بأصابعه أوتاره حتى تنطلق تلك الأشجان الحزينة، العذبة، في أرجاء البيت بطريقته الشجية.
بعد عيد ميلاده التسعين، كنت على وشك إنهاء دراستي للدكتوراه في ماسوشوسيتس، وقتها كنت بصدد أعداد نفسي للذهاب الى البيت بضعة أسابيع للراحة، في نفس الصباح تلقيت برقية تخبرني ان المستر سويت قد جاءته الوفاة مرة أخرى يرجونني فيها ترك كل شيء والتوجه الى المنزل حالاً، بالطبع سأفعل ذلك، فأطروحتي التي أعددتها ممكن أن تنتظر، أما أساتذتي فسأشرح لهم الأمر حال عودتي، هرعت من توي الى التلفون لأتصل بالمطار، وفي غضون أربع ساعات كنت أسابق غبار الطريق مستعجلة ملاقاة مستر سويت.
وجدت البيت قد أزداد خراباً بعد رؤيتي له في المرة السابقة، لكن الزهيرات الصفر التي زرعتها العائلة منذ سنوات مازالت تضيف لذلك الكوخ البسيط توهجاً، رغم الهواء الكامد الذي يبعث بدوره في النفس الأمان والسكينة، لازمني شعور بالوحشة وأنا أجتاز درب البوابة وصعود الدرجات المتهدمة، لكن وحشتي قد فارقتني حالما وقعت أنظاري على تلك اللحية الطويلة المسترسلة البيضاء التي أعشقها، والنازلة على الجسد الرقيق، فوق اللحاف الأليف لمفرش السرير الذي يتغطى به المستر سويت.
كانت عيناه مغلقتان بضيق، ويداه متشابكتان حول صدره، بالغتا الحساسية والرهافة، وقد فارقتهما الخشونة، تذكرت كيف كنت أعدو وأتقافز من حوله، في كل مكان، الآن، أنا واثقة أن جسده لم يعد يتحمل ثقلي عليه، ألقيت نظرة الى والدي، فعجبت لأنهما أيضاً قد أدركهما الهرم والضعف، وغزا الشيب شعر والدي، الذي كان منحنياً فوق العجوز النائم بهدوء، حيث صادف أن رائحته مازالت نفسها مزيجاً من التبغ والنبيذ، وهو يردد مثل كل مرة (كفاك موتاً يارجل، أتت أبنتي لكي تلقي عليك نظرة).
لم يكن بمقدرة أخي الحضور، حيث كان وقتها في الحرب في مكان ما من آسيا.
أنحنيت ورحت أمسد العينين المغلقتين برفق، حتى بدأتا تدريجياً بالرفيف، وهما تنفتحان شيئاً فشيئاً، وأخذت شفتاه الملطختان بالنبيذ في الأختلاج قليلاً،بعدها أفترقتا بدفء، بعض الشيء، بأبتسامة محرجة، كان في أستطاعته رؤيتي والتعرف علي، نظرت عيناه نحوي بحيوية ولمعان برهة، فوضعت رأسي على الوسادة الى جواره، ورحنا نتبادل النظرات معاً لوقت طويل، بعدها راحت أصابعه الناعمة اللدنة تجوس متتبعة أطراف شعري الغريب الشكل،أغمضت عيني بينما توقفت أصابعه عند أذني،(كان حتى وسخ أذني يجلب له السرور في صغري) وأخذت يده تحتضن خدودي، عندما فتحت عينيّ بعد حين، أدركت بالضبط آخر لحظة أغلق فيها عينيه الى الأبد.
حتى وأنا في الرابعة والعشرين، كيف أصدق أنني فشلت؟ وأن مستر سويت قد رحل؟ فهو لم يمت من قبل، لكنني ماأن لمحت والدي يداريان دموعهما، وقد أحباه كثيراً، كقطعة حساسة نادرة من الصيني المحفوظة التي يخشى عليها من الكسر دوماً، فوقعت،نظرت ملياً الى الوجه العجوز،ذي التجاعيد، والشفاه المحمرة،اليدين اللتين تصورت أنه سرعان ما سيمدهما نحوي غير عابىء بالموت، فجأة شعرت بوالدي يضع شيئاً بارداً بين يدي، كان جيتار المستر سويت الذي أوصى به الي منذ أشهر، عندما أحس بأنه لن تمكنه القدرة على التجاوب معي في سفرتي القادمة، ومن أجل أن لا تكون رحلتي بلا طائلة.
رحت أداعب بأناملي أوتار القيثار العتيق، وأنا أهمهم أغنية (حبيبي أسمر جورجيا) حيث مازال سحر المستر سويت ملتصقاً ببطء في برودة العلبة المعدنية، خلال فتحة الشباك أستطعت تنسم الضوع المثير المنتشر للأزاهير الصفر الغضة المعطرة، الرجل الطاعن في العمر، الذي يزين اللحاف المزركش مفرش سرير نومه، بلحيته العذبة البيضاء المسترسلة، كان حبي الأول.
أسم القصة بالأنكليزية
TO HELL WITH DYING
وهو مصطلح شعبي دارج SLANG أي اللهجة الشعبية معناه بالأنكليزية
THAT `S THE END OR - NO MORE
كاتب ومترجم عراقي، ميشيغان
ziam50@hotmail.com
خاص كيكا
http://www.kikah.com/indexarabic.asp?fname=kikaharabic\live\k2\2008-01-11\210.txt&storytitle=
| |
|