الكاتب أحمد بوزفور في ضيافة الصالون الأدبي [b]كان الصالون الأدبي على موعد مع الكاتب أحمد بوزفور ، فلقد شهد فضاء نادي الهمذاني يوم السبت 15 دجنبر حدثا مشهودا ، التأم خلاله جمع من الأدباء من الدارالبيضاء و من مراكش و الرباط وغيرها من المدن للاحتفاء بشيخ القصة القصيرة أحمد بوزفور، فكان اللقاء - بحق- اعترافا جميلا من الأدباء المغاربة بفضل هذا الرجل ،الذي رسخ بكثير من الألق فن القصة القصيرة في المشهد الأدبي المغربي ، فإخلاصه لها إبداعا و نقدا واشتغاله المنتظم داخل مجموعة البحث في القصة القصيرة ساهم في جعل القصة القصيرة تتربع على عرش الاهتمام لدى المبدعين والنقاد والقراء على حد سواء.
افتتح اللقاء بكلمة رئيس الصالون الأدبي مصطفى لغتيري رحب فيها بالضيف الكريم، و ذكر من خلالها الحاضرين بمكانة الرجل المتميزة في المشهد الثقافي المغربي و تربعه على قلوب المبدعين ، وكيف ساهم في جعل القصة مدللته القصيرة محط اهتمام وتركيز من طرف المبدعين عامة و الشباب منهم خاصة
بعد ذلك تفضل الكاتب سعيد بوكرامي بورقة عنونها ب"الشفرة السرية في ققنس" إذ حاول من خلال توظيف آليات التأويل و التأمل في المكونات السردية و التيمات و الشخوص ، وخاصة تيمات الموت والحلم و الواقع، أن يخلص إلى أن الكتابة عند بوزفور تتميز بعدم اليقين و الشك والحيرة.
أما الناقدة سعاد مسكين التي ترسخ تدريجيا قدميها بثبات في ميدان النقد الأدبي، فقد ركزت في مداخلتها على متاهات الحلم ، إذ رأت أن توظيفه كمتخيل عمق النصوص و منحها أبعادا مغرية بالتأويل ، وقد تناولت المجموعة القصصية ققنس من خلال الانمساخ و السخرية و الرؤيا الاستيعابية للطفولة و التشظي و اللعب اللغوي.
بعدها مباشرة تدخل الكاتب أحمد بوزفور بشهادة لامعة حول الكتابة القصصية لديه،فبعد أن نوه بالعمل الجاد الذي يقوم به الصالون الأدبي ، فاستحق بذلك - حسب بوزفور- أن "يحول مكانه في المشهد الثقافي إلى مكانة متميزة و مشهودة " ، عبر عن رغبة مجموعة البحث في القصة القصيرة في إقامة شراكة مع الصالون الأدبي و إنجازها رفقته مشاريع ثقافية مشتركة.. هذه المبادرة التي رحب بها الصالون الأدبي وعبر عن استعداده لها، و أنه لن يدخر جهدا في سبيل إنجاحها.
،انطلق بوزفور في شهادته من طرح سؤالين هما
-لم أكتب القصة القصيرة ؟ و كيف أكتبها؟
وبعد أن أن نفى امتلاكه لأجوبة وافية و شافية على السؤالين ، لاحظ أن كل التعاريف التي تستهدف القصة القصيرة تركز على جنس القصة و ليس على القصة ذاتها ،ذلك الكائن الحي المشخص ، وقال إن تعريفها يجب أن ينطلق مما يختلف حوله الكتاب لا ما يتفقون عليه ، ففي هذا الاختلاف - يقول بوزفور- تكمن الطاقة والحركة و الفتنة والحياة . وقد أخبر بوزفور الحضور بأنه قد بدأ الكتابة بالرواية لكنه لم يقتنع بما كتبه في هذا الجنس ، ثم كتب الشعر ، فكان مصيره مصير الرواية ، وحينها فقط التجأ إلى القصة، لأنها - حسب رأيه-لا تهتم بالعالم الكبير و حقائقه و لا بالأنا و أوهامها ، فهي فن قلق شكاك نسبي و ناقص ، يهتم بالفرد العادي المنبوذ و المهمش ، وإذا كان الشيطان في التفاصيل ، كما يقال، فإن القصة القصيرة - يقول بوزفور-توجد حيث يوجد الشيطان ، إذ أنها تهتم بالتفاصيل والأحاسيس الصغيرة ، العابرة و النشاز ، لذا يحتاج كاتبها إلى أدوات لغوية خاصة ، تحقق ما يسميه النقاد عادة بالتكثيف بينما يفضل بوزفور تسميته بالدقة ، ليعلن في الأخير أن القصة في عمقها هي تعامل خاص مع أدوات الربط .. وقد اهتم بوزفور بالقصة القصيرة دون غيرها لأنه - كما يرى نفسه - مترع بالشك و القصور و الولع بدقائق اللغة.
بعد استراحة قصيرة تناول الكلمة الناقد سعيد بوعيطة ،فتفضل بمداخلة عنونها ب "السرد الحلمي في ققنس" ، فبدأ باستنتاجات منها أن الحديث عن بوزفور هو حديث عن الكتابة ، وأن لغته غير مألوفة و تتميز بجدتها و خرقها للمعتاد، كما لاحظ أن الحلم هو الخيط الناظم للكتابة عند بوزفور و أن مرجعيات مختلفة تحكم كتاباته منها كتابات فرويد و ابن سيرين . كما لاحظ هيمنة البعد الرمزي و الغرائبي على الكتابة القصصية في "ققنس".
أما المبدع و الناقد محمد تينفو القادم من مراكش خصيصا للاحتفاء ببوزفور ، فقد تميزتمداخلته المعنونة ب " ثلاثية الماضي و أوديب و شهرزاد" بكثير من الطرافة مزج فيها الناقد بين صرامة البحث و دقته وروح النكتة التي تميز أهالي المدينة الحمراء ، فبعد أن لاحظ أن ققنس تتقاطع مع المجاميع السابقة لبوزفور ، ركز على تعدد الرؤية السردية و على الشخصيات و المرجعيات العميقة التي تؤطرالفعل القصصي عند بوزفور، كما توقف كثيرا عند احتفاء الكاتب باللغة من خلال تركيزه على اللغة الشعرية واللغة المنسية ، إذ أن لغة القاص بوزفور تغترف من الشعر القديم ، بما يعني احتفاءها باللغة التراثية ،كما لاحظ أن السارد يحتفي بطفولته ، دون أن تفوته لعبة الألوان التي يتقنها بوزفور ، وخصص جزءا من مداخلته ل"عقدة اسماعيل" و عقدة أوديب ، ففي الوقت التي تحكم عقدة اسماعيل العرب- على حسب زعم تنفو- يعاني الغرب من عقدة أوديب ،و الفرق بين العقدة الأولى و الثانية أن الأولى تؤدي إلى قتل الإبن والثانية إلى قتل الأب ، كما لا حظ حضور الأم و أقاربها في قصص بوزفور و غياب الأب و أقاربه ، مما يعني أن بوزفور محكوم بعقدة أوديب في كتابته القصصية.
الأستاذة سلمى براهمة انطلقت في قراءتها التذوقية للمجموعة القصصية "ققنس" من مركزية الموت و الطفولة حيث لاحظت أن الموت في المجموعة ذو طبيعة إيجابية، إذ أنه أغنى الحكي و اللغة و عمقهما .
وقد خص أحمد بوزفور رواد الصالون الأدبي بقصة جديدة حملت عنوان "الضاية" أبدع بوزفور في إلقائها ، فكانت بذلك هدية الأديب المحتفى به إلى أصدقائه و محبيه من الأدباء وعشاق الأدب.
اختتم اللقاء بالتقاط الصور للذكرى و عرض كتاب الصالون الأول " شعرية القصة القصيرة جدا " للكاتب التونسي عبد الدائم السلامي ..كما نظم الصالون الأدبي حفل عشاء على شرف ضيفه الكبير أحمد بوزفور و باقي ضيوفه من المدن المغربية ، وافترق الجمع بعد أن تواعدو ا على اللقاء قريبا في لقاء آخر .
صورة للشاعر أيوب مليجي رفقة الكاتب المغربي أحمد بوزفور